في الماضي كان هناك شاب فقير، معدم ، لا يملك قوت يومه، كان يحلم أن يكون أسرة ، زوجة و أطفال، يعلمهم ويربيهم ويفخر بهم ، وزوجه صالحه تعينه على قسوة الأيام وتخفف عنه، ولكن لم يكن بالاستطاعة تحقيق ذلك.
كان يعمل جاهداً لتحقيق ذلك الحلم لكنه دوماً يصطدم بالفقر والعجز غير أنه لم ييأس أبدا، كانت تلك الفكرة تسيطر عليه .
كان طيباً متسامحاً خلوقاً نشيطاً لا يعيبه إلا قله حيلته، لكنه كان يملك من الأصدقاء الكثير، فاز بهم بما يتمتع به من نقاء السريرة وصفاء المعدن.
قرروا مساعدته في تحقيق حلمه ولم يتورعوا في مد يد العون بكل ما أوتوا من قوة، وفعلاً تكمن من تحقيق حلمه الكبيـر، أنها زوجه وبيت، نعم اليوم استطاع أن ينام نوماً عميقا لم يدق طعمه مد كان طفلاً، لكن زوجته لم تكن كما حلم بها، فلقد كانت ثرثارة تعصيه ثاره، وتعييره ثاره أخرى، كانت صعبة المراس ، تطمع في المزيد دوماً،طموحها لما يكن له حدود، وكانت ترى أنها بسببه خسرت أحدى أهم الفرص في حياة كريمة، كانت سبباً جديداً في تعاسته وهو من أعتقد بأنها ستعينه، لكنه لم يهتم وقابل الأمور كما كان يفعل، عطفٌ وحنان ، صفحٌ وحلم ، كان يرد على الإساءة بالفضل ويجيب بالقبول على أي شئ غير آبه ما سيصيبه، وبطيب الحديث كان يبادلها وبالوجهٍ البشوش يقابلها .......
ولم تمر أشهرٌ حتى فهمت تلك الفتاه الحياة وتعقَلتْ وتراجعت عما كان في عقلها من ضيم، وفهمت أنه لن تكون لها سعادة كما هي معه، وأن الحياة لا تحتاج لا كثر من زوجٍ طيب ولو قل ماله، عاش معها مطمئناً سعيداً ..
وبدأ الافراد الجدد يتوافدون، واحداً تلو الآخر وكان الحلم يؤذن باقتراب تمامه...
هاهو اليوم يملك زوجة وهاهو اليوم يملك بيتاً، وها هو اليوم يملك اطفالاً ليربيهم ويعلمهم ويراهم يكبرون يوماً بعد يوم ،لكنها طبيعة البشر، لقد طغى صاحبنا وتجبر، لم يعد زوجاً طيباً، لم يعد شاباً مكافحاً، لم يعد يملك ذلك الحزم والحلم، لقد أصبح السيد الذي يطلبه الإطاعة.
أصبح حاد الطباع يستعبد زوجته وأولاده، يظلمهم ويضربهم وينهرهم على كل شئ ، وكان يعتقد بأنه على حق ولم يعد النصح يلقى منه آذاناً صاغية، بدأ يخسر أصدقائه واحداً تلو الأخر، أولئك الذي بنوا معه بيته حجراً بعد حجر، نعم اليوم أصبح ينسب الفضل لنفسـه، ويعتبر كل ما حصل له وبفضله، وليس لأحد الحق في أن ينصحه أو يوجهه ...
عانت الزوجة المسكينة الكثير ، وبدأ أطفاله يكبرون تحت عذابه، لقد كبر إبنه الأكبر سريعا وقرر الرحيل عن ذلك الجحيم، لكنه أصبح اليوم بين عذابين، فكيف يترك أمه وإخوانه يلاقون ذلك المصير؟ وكيف يعيش في بيتٍ فقد انتمائه له؟ وما أصعب أن تفقد انتمائك، كيف ووالده لا يعتذر ولا يعتبر ويزيد في تجبره وبغيه؟
أنه لا يحس بأن تلك العائلة مكانه، وما يرده الا حبه لإخوانه، ومازال ذلك الابن المسكين يعاني حيرته....
تلك هي الحكاية في عجالة وبدون أطاله، قد رويناها هنا ولم نقصد بها قسم القصص والحكايا، لانها ليست حكاية كالحكايات الأخرى، أنها سؤالُ يطرح نفســــــه:
من المخطئ ومن المصيب؟
هل الوالد مصيب؟ أم أنه يعتقد بأنه كذلك؟
وهل الأبن يتحمل كل ما يشعر به من أجل إخوانه؟
هل يبقى وهو يفقد الانتماء لتلك العائله؟
هل يبقى وهو لم يعد يحس بأنه مكانه؟
هل تعلم أنت مامعنى أن تفقد الانتماء أصلاً؟
من فهم فنحن في انتظار الاجابه، ومن لم يفهم فله نقول: اعذرنا ولا تلمنا والتزم الصمت، فقد يكون صمتك إجابةً أبلغ من كلامك .................
في أمان الله